• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العبودية المُنتِجة وخطأ التحوّل في العراق

حامد عبدالحسين الجبوري

العبودية المُنتِجة وخطأ التحوّل في العراق

إنّ غياب النتائج المرجوة من تبنّي الديمقراطية والسوق جاء كنتيجة لعدم تحديث المجتمع العراقي سلفاً وخطأ عملية التحوّل آلياً وأولويةً

هناك علاقة وثيقة بين الديمقراطية والسوق والمجتمع وهذه العلاقة تارةً تكون إيجابية حينما يمتلك المجتمع ثقافة الديمقراطية والسوق، وأُخرى سلبية متى ما افتقد لثقافتهما أو لديه ثقافة تختلف عنهما نشأ عليها ولمدة طويلة من الزمن كما في ثقافة العبودية في المجتمع العراقي التي أصبحت مُنتِجة بفعل استنساخها وتكراراها من جيل لآخر.

ينبغي الإشارة بإيجاز إلى العلاقة بين الديمقراطية والسوق كونهما يمثّلان جزء مهمّ من المقال، بشكل عام إنّهما يسيران باتجاه واحد، لأنّ السوق لا ينسجم، كما تنسجم الاشتراكية الاقتصادية؛ مع الشمولية السياسية، اللتين أسهما بشكل واضح في نشوء ثقافة العبودية المُنتِجة، من جانب، ويشترك مع الديمقراطية في مبادئ معيّنة أهمّها الحرّية والمنافسة من جانب آخر، ومع هذا الانسجام والاشتراك هناك نقاط افتراق بينهما خصوصاً في مسألة تدخل الدولة والمساواة [i].

يحفل العراق بتأريخ مأساوي أسهم ويسهم وسيُسهم في استمرار مسلسل بروز العُقد التي تشكّلت في الماضي لدى المجتمع العراقي (العُقد الاجتماعية)، أمام المشاريع التي يتبناها على أمل التخلّص من الانتكاسات المستمرة في طريق التنمية والتقدّم، ولكن لم ولن يُكتب النجاح لأي مشروع ما لم يتم العمل على تشخيص تلك العُقد الاجتماعية بشكل دقيق ثمّ العمل على معالجتها وتخليص المجتمع العراقي منها وتعزيز الثقة بالنفس ورفع الوعي العام حتى يكون المجتمع على دراية ووثاقة بالخُطى التي يخطوها دون تردد وانتظار مَن يعطف عليه داخلياً أو خارجياً.

الاحتلال العثماني والنظام الدكتاتوري

وعلى الرغم من تعدّد المُعطيات التاريخية المتمثّلة بالاحتلال العثماني والانتداب البريطاني والانقلابات السياسية وحتى إحكام النظام الدكتاتوري بشكل مُطبق تماماً بحيث لم يتم إسقاط هذا الأخير عام 2003 بفعل العامل الداخلي بل حصل بفعل العامل الخارجي كنتيجة للاستسلام الداخلي لسطوة النظام الدكتاتوري، والتي أسهمت جميعها في تشكيل العُقد الاجتماعية وتراكمها إلّا إن أبرز تلك المُعطيات هي الاحتلال العثماني والنظام الدكتاتوري وذلك لسببين:

الأوّل: إنّهما مارسا أطول مدّة زمنية في الحكم حيث كان العراق يخضع للاحتلال العثماني لمدّة طويلة جدّاً ما يُقارب أربعة قرون والتي لا تزال تركتها الثقيلة واضحة المعالم في ثقافة المجتمع العراقي. وكذا الحال بالنسبة للنظام الدكتاتوري حيث حكم المجتمع العراقي بالنار والحديد لمدة تُقارب ثلاثة عقود من الزمن.

الثاني: الاحتلال العثماني ابتدأ تشكيل العُقد الاجتماعية والنظام الدكتاتوري أختتم مسألة تشكيلها فما أسوء المقدّمة وما أسوء النتيجة وما بينهما استمرار لبعضهما البعض إلّا بعض الاستثناءات.

ثقافة عبودية مُنتِجة

فالاحتلال العثماني والنظام الدكتاتوري أسهما بل هما مصدر تشكيل العُقد الاجتماعية من خلال ممارسة سياسة التجهيل فكانت النتيجة نشوء ثقافة العبودية للحاكم ليس هذا فحسب بل أصبحت ثقافة مُنتِجة للعبودية أي استنساخها وتكرارها من جيل إلى آخر بشكل تلقائي، وأصبحت فيما بعد عقبة أمام التحوّلات اللازمة التي تتطلبها المرحلة الراهنة على كافة المجالات وبالخصوص التحوّل السياسي والاقتصادي، إذ إنّ البلد الذي يتعرّض لمدّة طويلة من الاحتلال الخارجي ثمّ يأتي الاستبداد الداخلي ليُكمل ما ابتدأه الأوّل والسير في منهجه المتمثّل في ممارسة سياسة التجهيل، بلد لا يستطيع أن يُغادر الجهل ويسير نحو الوعي والتنمية والتقدّم بليلة وضحاها دون وجود جهود مشتركة ومتواصلة وعلى كافة المستويات لإزالة مخلفات الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي من جانب وبناء مقومات التقدّم من جانب آخر.

وتجدر الإشارة إلى مسألة غاية في الأهميّة فيما يتعلّق بالاستبداد الداخلي المتمثّل بالنظام الدكتاتوري فبالإضافة إلى أيديولوجيته المستمدّة من النظام الشمولي، اعتمد بشكل كبير على الريع النفطي حيث كان بمثابة الوقود الذي يغذي ويسير دكتاتورية واستمرار تجهيل المجتمع بدلاً عن استثمار ثروة المجتمع لتطويره، لأنّه يعلم بمجرد تطوير المجتمع سوف لن يقبل هذا الأخير بدكتاتورية.

خطأ عملية التحوّل

من أكبر الأخطاء التي ارتكبت في العراق، عمداً أو سهواً، هي عملية التحوّل من حيث الآلية ومن حيث الأولوية أو التناغم، فمن حيث الآلية تم استخدام التحوّل المفاجئ وبشكل مزدوج، أمّا من حيث الأولوية والتناغم فلم يكُن التحوّل مدروس وفق سُلَّم الأولويات وأهما التحوّل الاجتماعي ثمّ التحوّل السياسي وأخيراً التحوّل الاقتصادي أو العكس التحوّل الاقتصادي ثمّ التحوّل السياسي لكن المهمّ هو التحوّل الاجتماعي هو أن يكون أوّلاً. كما لم يحصل التحوّل بشكل متناغم بين التحوّلات الثلاثة وبمسافات مُتقاربة.

ففي عام 2003 أصبح العراق يتبنّى النظام الديمقراطي واقتصاد السوق بشكل مزدوج ومفاجئ على أثر إسقاط النظام الشمولي سياسياً والاشتراكي اقتصادياً، حيث لم تتم تهيئة الظروف المناسبة لهذا التحوّل، وبالخصوص التحوّل الاجتماعي الملائم لهذا التحوّل بحيث لم يتم العمل على مسألة الثقافة العبودية المُنتِجة الناجمة عن العُقد الاجتماعية كنتيجة لممارسة سياسة التجهيل من قبل التدخل الخارجي البعيد والاستبداد الداخلي القريب التي تم تناولها آنفاً، وهذا ما أسهم في شيوع الفوضى وتأخر عملية التحوّل سياسياً واقتصادياً ممّا جعل هذا التحوّل لم يكتمل وأصبح انتقالاً شكلياً [ii] وهذا ما أفرز الكثير من المشاكل والآثار السلبية التي يعانيها البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

وذلك لغياب أولوية التحوّل فكان المفروض أوّلاً العمل على تحقيق التحوّل الاجتماعي حتى يكون هذا الأخير جاهز لاستقبال التحوّل السياسي والاقتصادي ليس جاهز فحسب بل يتفاعل معه ويأخذ هو زمام المبادرة ويتطّلع ليأخذ أدوار حقيقية فيه ويصبح أنموذجاً لدول العالم.

وما زاد الأمر سوءاً هو الجرعة التي تلقّاها المجتمع العراقي التي كانت كبيرة جدّاً وكانت بمثابة الصدمة، حيث تم العمل على تطبيق التحوّل السياسي والتحوّل الاقتصادي في آن واحد وبشكل مفاجئ دون وجود أي تمهيدات، وبعيداً عن التحوّل الاجتماعي سواء لأسباب قصديه أو لأسباب موضوعية تتعلّق بالتحوّل الاجتماعي من قُبيل إنّه يحتاج إلى جهود كبيرة ومتواصلة وعلى كافة المستويات ولمدّة زمنية طويلة، وعلى افتراض صحّة هذا القفز من التحوّل الاجتماعي إلى التحوّل المزدوج المفاجئ، فإنّه كان من المفترض الابتعاد عن عنصر المفاجئة واللجوء إلى التحوّل التدريجي حتى يتم تلافي آثار الجرعة الكبيرة من خلال تفتيتها عبر الزمن حتى تكون أصغر حجم وأسهل معالجةً.

وتبقى النتيجة كما هي استمرار الوضع العراقي كما هو معهود خطوة للأمام وعشرة أمثالها للخلف ما دام لم يعمل على تحقيق استخدام الطريق الصحيح في عملية التحوّل سواء من حيث الآلية أو من حيث الأولوية والتناغم.

ولأجل الإسراع في عملية التحوّل وتدارك الأخطاء التي حصلت في بداية عملية التحوّل من الضروري العمل على نقطتين:

أوّلاً: تناغم التحوّل، أي البدء بعملية التحوّل الاجتماعي بالتزامن مع استمرار عملية التحوّل السياسي والاقتصادي ودون الإسراع بها، حتى يتم تجنّب الآثار السلبية على المجتمع ويستطيع هذا الأخير أن يتناغم معها، وبهذا الحال سيكون التحوّل عملية ناجحة بفعل تفاعل المجتمع معها.

ثانياً: البيئة الاستثمارية، أي العمل على تهيئة البيئة الاستثمارية حتى تكون الأرضية التي يحصل عليها التحوّل بشكل عام والتحوّل الاقتصادي بشكل خاصّ، أرضية مشجعة على التحوّل بشكل انسيابي وسلس بعيد عن التعقيد والغموض.

......................................

المراجع

 [i] - للمزيد راجع مقال بعنوان «الديمقراطية والسوق.. نقاط التقاء أم على مفترق طُرُق؟» منشور على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية.

[ii] - للمزيد راجع مقال بعنوان «الاقتصاد العراقي.. انتقل أم في مرحلة انتقالية؟» منشور على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية.

ارسال التعليق

Top